فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القرطبي:

{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ}.
سَرَى لُوطٌ بأهله كما وصف الله: {بِقِطْعٍ مِّنَ الليل} [هود: 81 والحجر: 65] ثم أمر جبريل عليه السلام فأدخل جناحه تحت مدائنهم فاقتلعها ورفعها حتى سمع أهل السماء صياح الدِّيَكَة ونباح الكلاب، ثم جعل عاليها سافلها، وأمطرت عليهم حجارة من سِجِّيل، قيل: على من غاب منهم.
وأدرك امرأة لوط، وكانت معه حجرٌ فقتلها.
وكانت فيما ذُكر أربع قُرًى.
وقيل: خمس فيها أربعمائة ألف.
وسيأتي في سورة هود قصة لوط بأبين من هذا، إن شاء الله تعالى. اهـ.

.قال الخازن:

{وأمطرنا عليهم مطرًا} يعني حجارة من سجّيل قد عجنت بالكبريت والنار يقال مطرت السماء وأمطرت.
وقال أبو عبيدة: يقال في العذاب أمطرت وفي الرحمة مطرت {فانظر كيف كان عاقبة المجرمين} يعني انظر يا محمد كيف كان عاقبة هؤلاء الذين كذبوا بالله ورسوله وعملوا الفواحش كيف أهلكناهم.
قال مجاهد: نزل جبريل عليه السلام فأدخل جناحيه تحت مدائن قوم لوط فاقتلعها ورفعها إلى السماء ثم قلبها فجعل أعلاها أسفلها ثم اتبعوا بالحجارة.
وقوله فانظر كيف كان عاقبة المجرمين وإن كان هذا الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم لكن المراد به غيره من أمته ليعتبروا بما جرى على اولئك فينزجروا بذلك الاعتبار عن الأفعال القبيحة والفواحش الخبيثة. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وأمطرنا عليهم مطرًا} ضمن {أمطرنا} معنى أرسلنا فلذلك عداه بعلى كقوله فأمطرنا عليهم حجارة من السماء والمطر هنا هي حجارة وقد ذكرت في غير آية خسف بهم وأمطرت عليهم الحجارة، وقيل: كانت المؤتفكة خمس مدائن، وقيل: ست، وقيل: أربع اقتلعها جبريل بجناحه فرفعها حتى سمع أهل السماء نهيق الحمير وصياح الديكة ثم عكسها فرد أعلاها أسفلها وأرسلها إلى الأرض، وتبعتهم الحجارة مع هذا فأهلكت من كان منهم في سفر أو خارجًا عن البقاع وقالت امرأة لوط حين سمعت الرجّة واقوماه والتفتت فأصابتها صخرة فقتلتها، والظاهر أن الأمطار شملهم كلهم، وقيل: خسف بأهل المدن وأمطرت الحجارة على المسافرين منهم، وسئل مجاهد هل سلم منهم أحد قال لا إلا رجلًا كان بمكة تاجرًا وقف الحجر له أربعين يومًا حتى قضى تجارته وخرج من الحرم فأصابه فمات وكان عددهم مائة ألف.
{فانظر كيف كان عاقبة المجرمين} خطاب للرسول أو للسامع قصتهم كيف كان مآل من أجرم وفيه إيقاظ وازدجار أن تسلك هذه الأمة هذا المسلك و{المجرمين} عام في قوم نوح وهود وصالح ولوط وغيرهم وهو من نظر التفكر أو من نظر البصر فيمن بقيت له آثار منازل ومساكن كثمود وقوم لوط كما قال تعالى: {وعادًا وثمودًا وقد تبين لكم من مساكنهم}. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَرًا}.
قال أبو عبيدة: مُطر في الرحمة وأُمطِر في العذاب. وقال الراغب: مُطر في الخير وأُمطر في العذاب، والصحيح أن أَمطَرنا بمعنى أرسلنا عليهم إرسالَ المطر. قيل: كانت المؤتَفِكةُ خمسَ مدائن، وقيل: كانوا أربعةَ آلافٍ بين الشام والمدينة فأمطر الله عليهم الكِبريتَ والنارَ، وقيل: خَسَف بالمقيمين منهم وأُمطرت الحجارةُ على مسافريهم وشُذّاذهم، وقيل: أُمطر عليهم ثم خُسِف بهم. ورُوي أن تاجرًا منهم كان في الحرَم فوقف الحجرُ له أربعين يومًا حتى قضى تجارتَه وخرج من الحرم فوقع عليه، وروي أن امرأتَه التفتت نحوَ ديارِها فأصابها حَجَرٌ فماتت {فانظر كَيْفَ كَانَتْ عاقبة المجرمين} خطابٌ لكل من يتأتى منه التأملُ والنظرُ تعجيبًا من حالهم وتحذيرًا من أعمالهم. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَرًا} أي نوعًا من المطر عجيبًا وقد بينه قوله سبحانه: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مّن سِجّيلٍ} [الحج: 74].
وفي الخازن أن تلك الحجارة كانت معجونة بالكبريت والنار.
وظاهر الآية أنه أمطر عليهم كلهم.
وجاء في بعض الآثار أنه خسف بالمقيمين منهم وأمطرت الحجارة على مسافريهم وشذاذهم حتى أن تأجرا منهم كان في الحرم فوقفت له حجر أربعين يومًا حتى قضى تجارته وخرج من الحرم فوقع غليه.
وفرق بين مطر وأمطر فعن أبي عبيدة أن الثلاثي في الرحمة والرباعي في العذاب ومثله عن الراغب، وفي الصحاح عن أناس أن مطرت السماء وأمطرت بمعنى، وفي القاموس: لا يقال أمطرهم الله تعالى إلا في العذاب.
وظاهر كلام الكشاف في الأنفال (23) الترادف كما في الصحاح لكنه قال: وقد كثر الإمطار في معنى العذاب وذكر هنا أنه يقال: مطرتهم السماء وواد ممطور ويقال: أمطرت عليهم كذا أي أرسلته عليهم إرسال المطر.
وحاصل الفرق كما في الكشف ملاحظة معنى الإصابة في الأول والإرسال في الثاني ولهذا عدي بعلى، وذكر ابن المنير أن مقصود الزمخشري الرد على من يقول: إن مطرت في الخير وأمطرت في الشر ويتوهم أنها تفرقة وضعية فبين أن أمطرت معناه أرسلت شيئًا على نحو المطر وإن لم يكن ماءً حتى لو أرسل الله تعالى من السماء أنواعًا من الخير لجاز أن يقال فيه: أمطرت السماء خيرًا أي أرسلته إرسال المطر فليس للشر خصوصية في هذه الصيغة الرباعية ولكن اتفق أن السماء لم ترسل شيئًا سوى المطر إلا وكان عذابًا فظن أن الواقع اتفاقًا مقصود في الوضع. وليس به انتهى.
ويعلم منه كما قال الشهاب أن كلام أبي عبيدة وأضرابه مؤول وإن رد بقوله تعالى: {عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا} [الأحقاف: 24] فإنه عنى به الرحمة.
ولا يخفى أنه لو قيل: إن التفرقة الاستعمالية إنما هي بين الفعلين دون متصرفاتهما لم يتأت هذا الرد إلا أن كلامهم غير صريح في طلك، ولعل البعض صرح بما يخالفه ثم ان {مَّطَرًا} إما مفعول به أو مفعول مطلق.
{فانظر كَيْفَ كَانَ عاقبة المجرمين} أي مآل أولئك الكافرين المقترفين لتلك الفعلة الشنعاء.
وهذا خطاب لكل من يتأتى منه التأمل والنظر تعجيبًا من حالهم وتحذيرًا من أفعالهم.
وقد مكث لوط عليه السلام فيهم على ما في بعض الآثار ثلاثين سنة يدعوهم إلى ما فيه صلاحهم فلم يجيبوه وكان إبراهيم عليه السلام يركب على حماره فيأتيهم وينصحهم فيأبون أن يقبلوا فكان يأتي بعد أن أيس منهم فينظر إلى سدوم ويقول سدوم أي يوم لك من الله تعالى سدوم حتى بلغ الكتاب أجله فكان ما قص الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم.
وسيأتي إن شاء الله تعالى تفصيل ذلك.
ثم إن لوطًا عليه السلام كما أخرج إسحاق بن بشر وابن عساكر عن الزهري لما عذب قومه لحق بإبراهيم عليه السلام فلم يزل معه حتى قبضه الله تعالى إليه.
وفي هذه الآيات دليل على أن اللواطة من أعظم الفواحش.
وجاء في خبر أخرجه البيهقي في الشعب عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وصححه الحاكم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله تعالى سبعة من خلقه فوق سبع سموات فردد لعنة على واحد منها ثلاثًا ولعن بعد كل واحد لعنة فقال: ملعون ملعون ملعون من عمل عمل قول لوطِ» الحديث.
وجاء أيضًا «أربعة يصبحون في غضب الله تعالى ويمسون في سخط الله تعالى...» وعد منهم من يأتي الرجل.
وأخرج ابن أبي الدنيا وغيره عن مجاهد رضي الله تعالى عنه أن الذي يعمل ذلك العمل لو اغتسل بكل قطرة من السماء وكل قطرة من الأرض لم يزل نجسًا أي إن الماء لا يزيل عنه ذلك الإثم العظيم الذي بعده عن ربه.
والمقصود تهويل أمر تلك الفاحشة.
وألحق بها بعضهم السحاق وبدا أيضًا في قوم لوط عليه السلام فكانت المرأة تأتي المرأة فعن حذيفة رضي الله تعالى عنه إنما حق القول على قوم لوط عليه السلام حين استغنى النساء بالنساء والرجال بالرجال.
وعن أبي حمزة رضي الله تعالى عنه قلت لمحمد بن علي عذب الله تعالى نساء قوم لوط بعمل رجالهم فقال: الله تعالى أعدل من ذلك استغنى الرجال بالرجال والنساء بالنساء.
وآخرون إتيان المرأة في عجيزتها واستدل بما أخرج غير واحد عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال على المنبر: سلوني؟ فقال ابن الكواء: تؤتى النساء في أعجازهن؟ فقال كرم الله تعالى وجهه: سفلت سفل الله تعالى بك ألم تسمع قوله تعالى: {أَتَأْتُونَ الفاحشة} [الأعراف: 80] الآية.
ولا يخفى أن ذلك لا يتم إلا بطريق القياس وإلا فالفاحشة في الآية مبينة بما علمت.
نعم جاء في آثار كثيرة ما يدل على حرمة إتيان الزوجة في عجيزتها والمسألة كما تقدم خلافية والمعتمد فيها الحرمة.
ولا فرق في اللواطة بين أن تكون بمملوك أو تكون بغيره.
واختلفوا في كفر مستحل وطء الحائض ووطء الدبر.
وفي التتارخانية نقلًا عن السراجية اللواطة بمملوكه أو مملوكته أو امرأته حرام إلا أنه لو استحله لا يكفر وهذا بخلاف اللواطة بأجنبي فإنه يكفر مستحلها قولًا واحدًا.
وما ذكر مما يعلم ولا يعلم كما في الشرنبلالية لئلا يتجرأ الفسقة عليه بظنهم حله.
واختلف في حد اللواطة فقال الإمام: لا حد بوطء الدبر مطلقًا وفيه التعزير ويقتل من تكرر منه على المفتى به كما في الأشباه.
والظاهر على ما قال البيري أنه يقتل في المرة الثانية لصدق التكرار عليه.
وقال الإمامان: إن فعل في الأجانب حد كحد الزنا وإن في عبده أو أمته أو زوجته بنكاح صحيح أو فاسد فلا حد إجماعًا كما في الكافي وغيره بل يعزر في ذلك كله ويقتل من اعتاده.
وفي الحاوي القدسي وتكلموا في هذا التعزير من الجلد ورميه من أعلى موضع وحبسه في أنتن بقعة وغير ذلك سوى الإخصاء والجب والجلد أصح.
وفي الفتح يعزر ويسجن حتى يموت أو يتوب، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما حد اللواطة القتل للفاعل والمفعول ورواه مرفوعًا، وفي رواية أخرى عنه أنه سئل ما حد اللوطي فقال: ينظر أعلى بناء في القرية فيلقى منه منكسا ثم يتبع بالحجارة.
قال في الفتح وكأن مأخذ هذا أن قوم لوط أهلكوا بذلك حيث حملت قراهم ونكست بهم ولا شك في اتباع الهدم بهم وهم نازلون.
وعن علي كرم الله تعالى وجهه أنه رجم لوطيًا وهو أشبه شيء بما قص الله تعالى من إهلاك قوم لوط عليه السلام بإمطار الحجارة عليهم.
وصححوا أنها لا تكون في الجنة لأنه سبحانه استقبحها وسماها فاحشة والجنة منزهة عن ذلك.
وفي الأشباه أن حرمتها عقلية فلا وجود لها في الجنة، وقيل: سمعية فتوجد أي فيمكن أن توجد.
وكأنه أراد بالحرمة هنا القبح إطلاقًا لاسم السبب على المسبب أي أن قبحها عقلي بمعنى أنه يدرك بالعقل وإن لم يرد به الشرع.
وليس هذا مذهب المعتزلة كما لا يخفى.
ونقل الجلال السيوطي عن ابن عقيل الحنبلي قال: جرت هذه المسألة بين أبي علي بن الوليد المعتزلي وبين أبي يوسف القزويني فقال ابن الوليد: لا يمنع أن يجعل ذلك من جملة اللذات في الجنة لزوال المفسدة لأنه إنما منع في الدنيا لما فيه من لطع النسل وكونه محلًا للأذى وليس في الجنة ذلك ولهذا أبيح شرب الخمر لما ليس فيه من السكر والعربدة وزوال العقل بل اللذة الصرفة فقال أبو يوسف رضي الله تعالى عنه: الميل إلى الذكور عاهة وهو قبيح في نفسه لأنه محل لم يخلق للوطء ولهذا لم يبح في شريعة بخلاف الخمر فقال ابن الوليد: هو قبيح وعاهة للتلويث بالأذى ولا أذى في الجنة فلم يبق إلا مجرد الالتذاذ انتهى.